قوله تعالى {والسماءِ والطارقِ} هما قسمَان: {والسماءِ} قَسَمٌ، {والطارقِ} قَسَمٌ.{الطارق} نجم، وقد بيّنه الله تعالى بقوله: {وما أدْراكَ ما الطارقُ * النجْمُ الثّاقبُ} ومنه قول هند بنت عتبة:نحْنُ بنات طارِق *** نمْشي على النمارقتقول: نحن بنات النجم افتخاراً بشرفها، وإنما سمي النجم طارقاً لاختصاصه بالليل، والعرب تسمي كل قاصد في الليل طارقاً، قال الشاعر:ألا طَرَقَتْ بالليلِ ما هجَعوا هندُ *** وهندٌ أَتى مِن، دُونها النأيُ والصَّدّوأصل الطرق الدق، ومنه سميت المطرقة، فسمي قاصد الليل طارقاً لاحتياجه في الوصول إلى الدق.وفي قوله {النجم الثاقب} ستة أوجه:أحدها: المضيء، قاله ابن عباس.الثاني: المتوهج، قاله مجاهد.الثالث: المنقصّ، قاله عكرمة.الرابع: أن الثاقب الذي قد ارتفع على النجوم كلها، قاله الفراء.الخامس: الثاقب: الشياطين حين ترمى، قاله السدي.السادس: الثاقب في مسيره ومجراه، قاله الضحاك.وفي هذا النجم الثاقب قولان:أحدهما: أنه زُحل، قاله عليّ.الثاني: الثريّا، قاله ابن زيد.{إن كُلُّ نفْسٍ لّما عليها حافِظٌ} فيه وجهان:أحدهما: (لّما) بمعنى إلاّ، وتقديره: إنْ كل نفس إلاَّ عليها حافظ، قاله قتادة.الثاني: أن (ما) التي بعد اللام صله زائدة، وتقديره: إن كل نفس لعليها حافظ، قاله الأخفش.وفي الحافظ قولان:أحدهما: حافظ من الله يحفظ عليه أجله ورزقه، قاله ابن جبير.الثاني: من الملائكة يحفظون عليه عمله من خير أو شر، قاله قتادة.ويحتمل ثالثاً: أن يكون الحافظ الذي عليه عقله، لأنه يرشده إلى مصالحه، ويكفّه عن مضاره.{يَخْرُجُ مِنْ بَيْن الصُّلْبِ والتّرائِب} فيه قولان:أحدهما: من بين صلب الرجل وترائبه، قاله الحسن وقتادة.الثاني: بمعنى أصلاب الرجال وترائب النساء.وفي الترائب ستة أقاويل:أحدها: أنه الصدر، قاله ابن عياض، ومنه قول دريد بن الصمة.فإنَّ تُدْبروا نأخذكُم في ظهوركم *** وإنْ تُقْبِلُوا نأخذكُم في الترائبالثاني: ما بين المنكبين إلى الصدر، قاله مجاهد.الثالث: موضع القلادة، قاله ابن عباس، قال الشاعر:والزعفران على ترائبها *** شرق به اللّباتُ والنحْرُالرابع: أنها أربعة أضلاع من الجانب الأسفل، قاله ابن جبير، وحكى الزجاج أن الترائب أربعة أضلاع من يمنة الصدر وأربعة أضلاع من يسرة الصدر.الخامس: أنها بين اليدين والرجلين والعينين، قاله الضحاك.السادس: هي عصارة القلب، قاله معمر بن أبي حبيبة.{إنّه على رَجْعِهِ لقادرٌ} فيه خمسة أوجه:أحدها: على أن يرد المني في الإحليل، قاله مجاهد.الثاني: على أن يرد الماء في الصلب، قاله عكرمة.الثالث: على أن يرد الإنسان من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة، قاله الضحاك.الرابع: على أن يعيده حيّاً بعد موته، قاله الحسن وعكرمة وقتادة.الخامس: على أن يحبس الماء فلا يخرج.ويحتمل سادساً: على أن يعيده إلى الدنيا بعد بعثه في الآخرة لأن الكفار يسألون الله فيها الرجعة.{يومَ تُبْلَى السّرائرُ} أي تَظْهَر.ويحتمل ثانياً: أن تبتلى بظهور السرائر في الآخرة بعد استتارها في الدنيا.وفيها قولان:أحدهما: كل ما استتر به الإنسان من خير وشر، وأضمره من إيمان أو كفر، كما قال الأحوص:ستُبلَى لكم في مُضْمَرِ السِّرِّ والحشَا *** سَريرةُ ودٍّ يومَ تُبلَى السرائرُ.الثاني: هو ما رواه خالد عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأمانات ثلاث: الصلاة والصوم والجنابة، استأمن الله ابن آدم على الصلاة، فإن شاء قال: قد صليت ولم يُصلّ، استأمن الله ابن آدم على الصوم، فإن شاء قال: قد صمت ولم يصم، استأمن الله ابن آدم على الجنابة، فإن شاء قال: قد اغتسلت ولم يغتسل، اقرؤوا إن شئتم: {يوم تُبْلى السّرائرُ}».{فما لَهُ مِن قُوَّةٍ ولا ناصَرٍ} فيه قولان:أحدهما: أن القوة العشيرة، والناصر: الحليف، قاله سفيان.الثاني: فما له من قوة في بدنه، ولا ناصر من غيره يمتنع به من الله، أو ينتصر به على الله، وهو معنى قول قتادة.ويحتمل ثالثاً: فما له من قوة في الامتناع، ولا ناصر في الاحتجاج.